فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}
{وَقَالَ} أي نوحٌ عليه الصلاة والسلام لمن معه من المؤمنين كما ينبئ عنه قوله تعالى: {إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} ولو رجع الضميرُ إلى الله تعالى لناسب أن يقال: إن ربكم، ولعل ذلك بعد إدخالِ ما أُمر بحمله في الفلك من الأزواج كأنه قيل: فحمَلَ الأزواجَ أو أدخلها في الفلك وقال للؤمنين: {اركبوا فِيهَا} كما يأتي مثلُه في قوله تعالى: {وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ} والركوبُ العلوُّ على شيء متحرّكٍ، ويتعدّى بنفسه، واستعمالُه هاهنا بكلمة في ليس لأن المأمورَ به كونُهم في جوفها لا فوقَها كما ظُن فإن أظهرَ الروايات أنه عليه السلام جعل الوحوشَ ونظائرَها في البطن الأسفلِ والأنعامَ في الأوسطِ وركب هو ومن معه في الأعلى بل لرعاية جانبِ المحلية والمكانيةِ في الفلك، والسرُّ فيه أن معنى الركوبِ العلوُّ على شيء له حركةٌ إما إراديةٌ كالحيوان أو قسريةٌ كالسفينة والعجَلة ونحوهما، فإذا استُعمل في الأول يوفر له حظُّ الأصل فيقال: ركبتُ الفرسَ، وعليه قوله عز من قائل: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا} وإن استُعمل في الثاني يلوح بمحلية المفعول بكلمة في فيقال: ركبت في السفينة، وعليه الآيةُ الكريمة وقولُه عز قائلًا: {فَإِذَا رَكِبُواْ في الفلك} وقوله تعالى: {فانطلقا حَتَّى إِذَا رَكِبَا في السفينة خَرَقَهَا}، {بِسْمِ اللَّهِ} متعلقٌ باركبوا حالٌ من فاعله أي اركبوا مسمِّين الله تعالى، أو قائلين: بسم الله: {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} نصبٌ على الظرفية أي وقتَ إجرائِها وإرسائِها على أنهما اسما زمانٍ أو مصدران كالإجراء والإرساءِ بحذف الوقتِ كقولك: آتيك خفوقَ النجمِ أو اسما مكانٍ انتصبا بما في: {بِسْمِ اللَّهِ} من معنى الفعل أو إرادةِ القول، ويجوز أن يكون: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} مستقلةً من مبتدأ وخبر في موضع الحالِ من ضمير الفلك أي اركبوا فيها مُجراةً ومُرساةً باسم الله بمعنى التقدير كقوله تعالى: {ادخلوها خالدين} أو جملةٌ مقتضبةٌ على أن نوحًا أمرهم بالركوب فيها ثم أخبرهم بأن إجراءَها وإرساءَها باسم الله تعالى فيكونان كلامين له عليه الصلاة والسلام. قيل: كان عليه السلام إذا أراد أن يُجرِيَها يقول: بسم الله فتجري وإذا أراد أن يرسيَها يقول: بسم الله فترسو، ويجوز أن يكون الاسمُ مقْحمًا كما في قوله:
إلى الحولِ ثم اسمُ السلامِ عليكما

ويراد بالله إجراؤُها وإرساؤُها أي بقدرته وأمرِه، وقرئ: {مُجرِيها} على صيغة الفاعل مجرورَي المحلِّ صفتين لله عز وجل ومَجراها ومَرْساها بفتح الميم مصدرين أو زمانين أو مكانين من جرى ورسا: {إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ} للذنوب والخطايا: {رَّحِيمٌ} بعباده ولذلك نجاكم من هذه الطآمّة والداهية العامّة، ولولا ذلك لما فعله وفيه دِلالةٌ على أن نجاتَهم ليست بسبب استحقاقِهم لها بل بمحض فضلِ الله سبحانه وغفرانِه ورحمتِه على ما عليه رأيُ أهل السنة.
{وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ} متعلقٌ بمحذوف دلّ عليه الأمرُ بالركوب أي فركِبوا فيها مُسمّين وهي تجري ملتبسةً بهم: {فِى مَوْجٍ كالجبال} وهو ما ارتفع من الماء عند اضطرابِه، كلُّ موجةٍ من ذلك كجبل في ارتفاعها وتراكُمِها، وما قيل من أن الماءَ طبّق ما بين السماء والأرضِ وكانت السفينةُ تجري في جوفه كالحوت فغيرُ ثابتٍ، والمشهورُ أنه علا شوامخَ الجبالِ خمسة عشرَ ذراعًا أو أربعين ذراعًا، ولئن صح ذلك فهذا الجريانُ إنما هو قبل أن يتفاقم الخطبُ كما يدل عليه قوله تعالى: {ونادى نُوحٌ ابنه} فإن ذلك إنما يُتصوَّر قبل أن تنقطِعَ العلاقةُ بين السفينةِ والبرِّ، إذ حينئذ يمكن جرَيانُ ما جرى بين نوحٍ عليه الصلاة والسلام وبين ابنِه من المفاوضة بالاستدعاء إلى السفينة والجوابِ باعتصامٍ بالجبل، وقرئ ابنَها وابنَه بحذف الألفِ على أن الضميرَ لأمرأته وكان ربيبَه وما يقال من أنه كان لغير رِشدةٍ لقوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} فارتكابُ عظيمةٍ لا يقادر قدرُها فإن جنابَ الأنبياءِ صلواتُ الله تعالى عليهم وسلامُه أرفعُ من أن يشارَ إليه بأصبَع الطعنِ وإنما المرادُ بالخيانة الخيانةُ في الدين، وقرئ ابناهْ على الندبة ولكونها حكايةً سُوّغ حذفُ حرفها. وأنت خبيرٌ بأنه لا يلائمه الاستدعاءُ إلى السفينة فإنه صريحٌ في أنه لم يقع في حياته يأسٌ بعْدُ: {وَكَانَ في مَعْزِلٍ} أي في كان عزَل فيه نفسَه عن أبيه وإخوتِه وقومِه بحيث لم يتناولْه الخطابُ باركبوا، واحتاج إلى النداء المذكورِ، وقيل: في معزل عن الكفار قد انفرد عنهم وظن نوحٌ أنه يريد مفارقتَهم ولذلك دعاه إلى السفينة، وقيل: كان ينافق أباه فظن أنه مؤمنٌ، وقيل: كان يعلم أنه كافرٌ إلى ذلك الوقتِ لكنه عليه الصلاة والسلام ظن أنه عند مشاهدةِ تلك الأهوالِ ينزجرُ عما كان عليه ويقبل الإيمانَ، وقيل: لم يكن الذي تقدّم من قوله تعالى: {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} نصًا في كون ابنِه داخلًا تحته بل كان كالمُجمل فحملتْه شفقةُ الأبوة على ذلك: {أَوْ بَنِى} بفتح الياء اقتصارًا عليه من الألف المُبْدلةِ من ياء الإضافةِ في قولك: يا بنيا وقرئ بكسر الياء اقتصارًا عليه من ياء الإضافة أو سقطت الياءُ والألفُ لالتقاء الساكنين لأن الراءَ بعدهما ساكنة: {اركب مَّعَنَا} قرأ أبو عمْرو، والكسائيُّ، وحفص، بإدغام الباء في الميم لتقاربهما في المخرج، وإنما أطلق الركوبُ عن ذكر الفُلك لتعينها وللإيذان بضيق المقامِ حيث حال الجريضُ دون القريض مع إغناء المعيةِ عن ذلك: {وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين} أي في المكان وهو وجهُ الأرض خارجَ الفلك لا في الدين وإن كان ذلك مما يوجبه كما يوجب ركوبُه معه عليه الصلاة والسلام كونَه معه في الإيمان لأنه عليه الصلاة والسلام بصدد التحذيرِ عن الهَلَكة فلا يلائمه النهيُ عن الكفر.
{قَالَ سَآوِى إلى جَبَلٍ} من الجبال: {يَعْصِمُنِى} بارتفاعه: {مِنَ الماء} زعمًا منه أن ذلك كسائر المياهِ في أزمنة السيولِ المعتادةِ التي ربما يُتّقى منها بالصعود إلى الرُّبى، وأنى له ذلك وقد بلغ السيلُ الزبى وجهلًا بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرةِ وألاّ محيصَ من ذلك الفكر المُحالِ، وكان مقتضى الظاهرِ أن يجيب بما ينطبقُ عليه كلامُه ويتعرّضَ لنفي ما أثبته للجبل من كونه عاصمًا له من الماء بأن يقولَ: لا يعصِمُك منه مفيدًا لنفي وصفِ العصمةِ عنه فقط من غير تعرضٍ لنفيه عن غيره ولا لنفي الموصوف (بالعصمة) أصلًا لكنه عليه الصلاة والسلام حيث: {قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله} سلك طريقةَ نفي الجنسِ المنتظِمِ لنفي جميعِ أفرادِ العاصمِ ذاتًا وصفةً كما في قولهم: ليس فيه داعٍ ولا مجيبٌ أي أحدٌ من الناس للمبالغة في نفي كونِ الجبلِ عاصمًا بالوجهين المذكورَين وزادَ اليومَ للتنبيه على أنه ليس كسائر الأيامِ التي تقع فيها الوقائعُ وتُلِمُّ فيها المُلِماتُ المعتادةُ التي ربما يُتخلّص من ذلك بالالتجاء إلى بعض الأسبابِ العادية، وعبّر عن الماء في محلّ إضمارِه بأمرِ الله أي عذابِه الذي أشير إليه حيث قيل: حتى إذا جاء أمرُنا تفخيمًا لشأنه وتهويلًا لأمره وتنبيهًا لابنه على خطئه في تسميته ماءً ويوهم أنه كسائر المياهِ التي يُتفصَّى منها بالهرب إلى بعض المهاربِ المعهودةِ وتعليلًا للنفي المذكورِ فإن أمرَ الله لا يغالَب وعذابَه لا يُرَدّ وتمهيدًا لحصر العِصمةِ في جناب الله عز جارُه بالاستثناء كأنه قيل: لا عاصمَ من أمر الله إلا هو إنما قيل: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ} تفخيمًا لشأنه الجليلِ بالإبهام ثم التفسيرِ وبالإجمال ثم التفصيل، وإشعارًا بعلّية رحمتِه في ذلك بموجب سبقِها على غضبه وكلُّ ذلك لكمال عنايتِه عليه الصلاة والسلام بتحقيق ما يتوخاه من نجاة ابنِه ببيان شأنِ الداهيةِ وقطعِ أطماعِه الفارغةِ وصرفِه عن التعليل بما لا يغني عنه شيئًا وإرشادِه إلى العياذ بالمَعاذ الحقِّ عزَّ حِماهُ وقيل: لا مكانَ يعصِم من أمر الله إلا مكانُ من رحمه الله وهو الفُلك، وقيل: معنى لا عاصم لا ذا عصمةٍ إلا من رحمه الله تعالى: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج} أي بين نوحٍ وبين ابنِه فانقطع ما بينهما من المجاوبة لا بين ابنِه وبين الجبل لقوله تعالى: {فَكَانَ مِنَ المغرقين} إذ هو إنما يتفرع على حيلولة الموجِ بينه عليه الصلاة والسلام وبين ابنه لا بينه وبين الجبلِ لأنه بمعزل من كونه عاصمًا وإن لم يحُلْ بينه وبين الملتِجئ إليه موجٌ، وفيه دِلالةٌ على هلاك سائرِ الكفرةِ على أبلغ وجهٍ فكان ذلك أمرًا مقرَّرَ الوقوعِ غيرَ مفتقِرٍ إلى البيان، وفي إيراد كان دون صار مبالغةٌ في كونه منهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}
{وَقَالَ} أي نوح عليه السلام لمن معه من المؤمنين كما ينبئ عنه قوله تعالى: {إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [هود: 14].
وقيل: الضمير لله تعالى، وفيه أنه لو كان كذلك لكان المناسب إن ربكم إلخ، ولعل هذا القول بعد إدخال ما أمر بحمله في الفلك من الأزواج كأنه قيل: فحمل الأزواج حسبما أمر أو أدخلها في الفلك، وقال للمؤمنين: {اركبوا فِيهَا} أي صيروا فيها، وجعل ذلك ركوبًا لأنها في الماء كالمركوب في الأرض ففيه استعارة تبعية من حيث تشبيه الصيرورة فيها بالركوب، وقيل: استعارة مكنية والتعدية بفي لاعتبار الصيرورة وإلا فالفعل يتعدى بنفسه، وإلى هذا ذهب القاضي البيضاوي، وقيل: التعدية بذلك لأنه ضمن معنى ادخلوا، وقيل: تقديره اركبوا الماء فيها، وقيل: في زائدة للتوكيد، وكأن الأول أولى، وقال بعض المحققين: الركوب العلو على شيء متحرك ويتعدى بنفسه واستعماله هاهنا بفي ليس لأن المأمور به كونهم في جوفها لا فوقها كما ظن فإن أظهر الروايات أنه عليه السلام ركب هو ومن معه في الأعلى بل لرعاية جانب المحلية والمكانية في الفلك.
والسر فيه أن معنى الركوب العلو على شيء له حركة إما إرادية كالحيوان أو قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما فإذا استعمل في الأول توفر له حظ الأصل فيقال: ركبت الفرس، وعليه قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] وإن استعمل في الثاني يلوح بمحلية المفعول بكلمة في فيقال: ركبت في السفينة، وعليه الآية الكريمة، وقوله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُواْ في الفلك} [العنكبوت: 65] و: {حَتَّى إِذَا رَكِبَا في السفينة خَرَقَهَا} [الكهف: 71] انتهى، وظاهره أن الركوب هاهنا حقيقي، وصرح بعضهم أنه ليس به.
وقال الراغب: الركوب في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان، وقد يستعمل في السفينة، وفيه تأكيد لما صرح بع البعض: {بِسْمِ اللَّهِ} حال من فاعل: {اركبوا} والباء للملابسة ولما كانت ملابسة اسم الله عز اسمه بذكره قالوا: المعنى اركبوا مسمين الله، وجوزوا أن تكون الحال محذوفة وهذا معمول لها سادّ مسدّها ولذلك سموه حالا، والأصل: {اركبوا} قائلين: {بِسْمِ اللَّهِ مجراها ومرساها} نصب على الظرفية أي وقت إجرائها وإرسائها على أنهما اسما زمان أو مصدران ميميان بمعنى الإجراء والإرساء، ويقدر مضاف محذوف وهو وقت كما في قولك: أتيتك خفوق النجم فإن التقدير وقت خفوقه إلا أنه لما حذف المضاف سدّ المضاف إليه مسده وانتصب انتصابه وهو كثير في المصادر، ويجوز أن يكونا اسمى مكان وانتصابهما بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور أو بقائلين، ولا يجوز أن يكون باركبوا إذ ليس المعنى على: {قَلِيلٌ وَقَالَ اركبوا} في وقت الإجراء والإرساء، أو في مكانهما وإنما المعنى متبركين أو قائلين فيهما، وتعقب القول بانتصهابهما مطلقًا بأنهما محدودان ومحدود المكان لابد له من في، وبعضهم يجوز النصب في مثل ذلك بما فيه من الابهاج، وجوز رفعهما فاعلين بالظرف لاعتماده على ذي الحال أو على أنهما مبتدأ ومعطوف عليه؛ و: {بِسْمِ اللَّهِ} خبرًا والخبر محذوف تقديره متحققان ونحوه وهو صلة لهما، والجملة إما مقتضية منقطعة عما قبلها لاختلافهما خبرًا وطلبا على أن نوحًا عليه السلام أمرهم بالركوب في السفينة ثم أخبرهم بأن إجراءها وإرساءها بسم الله تعالى أو بأن إجراءها وإرساءها باسمه تعالى متحققان لا يشك فيهما، وفي ذلك حث على الركوب وإزالة لما عسى يختلج في قلوبهم من خوف الغرق ونحوه، ويروى عن ضحاك أنه عليه السلام كان إذا أراد أن يجريها، يقول: {بِسْمِ اللَّهِ} فتجري، وإذا أراد أن يرسيها قال: {بِسْمِ اللَّهِ} فترسو، وإما في موضع الحال من ضمير الفلك أي اركبوا فيها مجراة ومرساة باسم الله وهي حال مقدرة إذ لا إجراء ولا إرساء وقت الركوب كذا قيل، وتعقبه في التقريب بأن الحال إنما تكون مقدرة إذا كانت مفردة كمجراة أما إذا كانت جملة فلا لأن معنى الجملة اركبوا وإجراؤها: {بِسْمِ اللَّهِ} وهذا واقع حال الركوب انتهى، وأجاب عنه في الكشف بأنه لا فرق بين قوله تعالى: {ادخلوها خالدين} [الزمر: 73] وقول القائل: ادخلوها وأنتم مخلدون في عدم المقارنة والرجوع إلى الحال المقدرة فكذلك ما نحن فيه، واعترض على المجيب بأن مراد ذلك القائل إجراؤها مجرى المفرد على نحو كلمته فوه إلى في بأنه تكلف لا حاجة إليه، وهو غير مسلم في المستشهد به أيضًا، وإنما ذلك في قول القائل كلمته فاه إلى في انتهى، وكأنه لم ينكشف له مراد صاحب التقريب فإنهم ذكروا أن الفرق بين الحال إذا كانت مفردة وإذا كانت جملة أن الثانية تقتضي التحقق في نفسها والتلبس بها، وربما أشعرت بوقوعها قبل العامل واستمرارها معه كما إذا قلت: جاءني وهو راكب فإنه يقتضي تلبسه بالركوب واستمراره عليه، وهذا ينافي كونها منتظرة ولا أقل من أن لا يحسن الحمل عليه حيث تيسر الإفراد فافهم، وجوز أن تكون حالًا مقدرة أيضًا من فاعل: {اركبوا}، واعترض بأنه لا عائد على ذي الحال، وضمير: {بِسْمِ اللَّهِ} للمبتدأ وتقديره أي فاجراؤها معكم أو بكم كائن: {بِسْمِ اللَّهِ} تكلف، والقول بأن الرضى قد ذكر أن الجملة الحالية إذا كانت اسمية قد تخلو من الرابطين عند ظهور الملابسة نحو خرجت زيد على الباب ليس بشيء لضعف ما ذكر في العربية فلا ينبغي التخريج عليه نعم كون الاسمية لابد فيها من الواو والقول بأن الحال المقدرة لا تكون جملة مطلقًا كل منهما في حيز المنع كما لا يخفى.
وجوز أن يكون الاسم مقحمًا كما في قول لبيد:
فقوما وقولا بالذي قد عرفتما ** ولا تخمشا وجهًا ولا تحلقا الشعر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر

ويراد بالله إجراؤها وإرساؤها أي بقدرته أو بأمره أو بإذنه، ويقدر ذلك أو يراد معنى، وخص بعضهم هذا الجواز بما إذا لم يقدر مسمين أو قائلين إذ لا يظهر المعنى حينئذٍ، ويجري على تقديري الكلام الواحد والكلامين، وكذا على تقدير الزمان والمكان في رأي، ويعتبر الإسناد مجازيًا من قبيل نهاره صائم وطريق بر.
وقرأ {مجراها ومرساها} بفتح الميم مصدرين أو زمانين أو مكانين على أنهما من جرى ورسا الثلاثيين، وقرأ مجاهد مجريها ومرسيها بصيغة اسم الفاعل، وخرج ذلك أبو البقاء على أنهما صفتان للاسم الجليل، وقيل عليه: إن أضافة اسم الفاعل إذا كان بمعنى المستقبل لفظية فهو نكرة لا يصح توصيف المعرفة به فالحق البدلية، والقول بأن مراد المعرب الصفة المعنوية لا النعت النحوي فلا ينافي البدلية بعيد لكن عن الخليل إن ما كانت إضافته غير محضة قد يصح أن تجعل محضة فتعرف إلا ما كان من الصفة المشبهة فلا تتمحض إضافتها فلا تعرف، والرسو الثبوت والاستقرار، ومنه قول الشاعر:
فصبرت نفسًا عند ذلك حرة ** (ترسو) إذا نفس الجبان تطلع

{إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} قيل: الجملة مستأنفة لبيان الموجب أي لولا مغفرته لفرطانكم ورحمته إياكم لما أنجاكم من هذه الطامة إيمانكم، وفيه دلالة على أن نجاتهم لم تكن عن استحقاق بسبب أنهم كانوا مؤمنين بل بمحض رحمة الله تعالى وغفرانه على ما عليه أهل السنة، ومنع صلاحية كونها علة لاركبوا لعدم المناسبة فيقدر ما يصح به الكلام بأن يقال: امتثلوا هذا الحكم لينجيكم من الهلاك بمغفرته ورحمته، أو يقال: {اركبوا فِيهَا} ذاكرين الله تعالى ولا تخافوا الغرق لما عسى فرط منكم من التقصير لأن الله تعالى شأنه غفور للخطايا والذنوب رحيم بعباده، وجعلها بعضهم تعليلًا بالنظر إلى ما فيها من الإشارة إلى النجارة فكأنه قيل: اركبوا لينجيكم الله سبحانه.